الأحد، 13 سبتمبر 2009

الأحد، 13 سبتمبر 2009

فصـل لو لم يظهر محمد بن عبد الله

فصـل لو لم يظهر محمد بن عبد المطلب
في أنه لو لم يظهر محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم- لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله: جاء بالحق وصدق المرسلين .
فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئه، فمجيئه هو نفس صدق خبره، فكأن مجيئه تصديقاً لهم إذ هو تأويل ما أخبروا به، ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر: إن تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وإيمانه بهم فإنه صدقهم بقوله ومجيئه فشهد بصدقهم بنفس مجيئه، وشهد بصدقهم بقوله.
ومثل هذا قول المسيح: مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فإن التوراة لما بشرت به وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقاً لها، ثم بشر برسول يأتي من بعده فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقاً له، كما كان ظهوره تصديقاً للتوراة فعادة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق، فلو لم يظهر محمد بن عبد الله ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله، والله سبحانه لا يخلف وعده ولا يكذب بظهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد بشرت هاجر من ذلك بما لم تبشر به امرأة من العالمين غير مريم ابنة عمران بالمسيح على أن مريم بشرت به مرة واحدة، وبشرت هاجر بإسماعيل مرتين، وبشر به إبراهيم مراراً، ثم ذكر الله سبحانه هاجر بعد وفاتها كالمخاطب لها على ألسنة الأنبياء، ففي التوراة أن الله تعالى قال: أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه، وكبرته، وعظمته .
هكذا في ترجمة بعض المترجمين.
وأما في الترجمة التي ترجمها اثنان وسبعون حبراً من أحبار اليهود فإنه يقول: وسيلد اثني عشر أمة من الأمم وفيها لما هربت هاجر من سارة تراءى لها ملاك الله، وقال يا هاجر أمة سارة من أين أقبلت ؟ وإلى أين تذهبين ؟ قالت: هربت من سيدتي، فقال لها الملاك، ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة، ها أنت تحبلين وتلدين ابنا تسميه إسماعيل، لأن الله قد سمع خشوعك، وهو يكون عين الناس، ويكون يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع، ويكون مسكنه على تخوم جميع إخوته ، وفي موضع آخر قصة إسكانها وابنها إسماعيل في برية فاران، وفيها فقال لها الملاك يا هاجر ليهدأ روعك.
فقد سمع الله تعالى صوت الصبي، قومي فاحمله وتمسكي به فإن الله جاعله لأمة عظيمة، وأن الله فتح عينيها فإذا ببئر ماء فذهبت وملأت المزادة منه وسقت الصبي منه وكان الله معها ومع الصبي حتى تربى، وكان مسكنه في برية فاران فهذه أربع بشارات خالصة بإسماعيل، نزلت اثنتان منها على إبراهيم واثنتان على هاجر.
وفي التوراة أيضاً بشارات أخرى بإسماعيل وولده وأنهم أمة عظيمة جداً ، وأن نجوم السماء تحصى ولا يحصون، وهذه البشارة إنما تمت بظهور محمد بن عبد الله وأمته.
فإن بني إسحاق كانوا لم يزالوا مطرودين مشردين خولاً للفراعنة والقبط حتى أنقذهم الله بنبيه وكليمه موسى بن عمران ، وأورثهم أرض الشام كرسي مملكتهم ، ثم سلبهم وقطعثم في الأرض أمماً مسلوباً عزهم وملكهم ، قد أخذتهم سيوف السودان ، وعلتهم أعلاج الحمران حتى إذا ظهر النبي صلى الله عليه وسلم تمت تلك النبوات وظهرت تلك البشارات بعد دهر طويل وعلت بنو إسماعيل على من حولهم فهشموهم هشماً ، وطحنوهم طحناً ، وانتشروا في آفاق الدنيا ، ومدت الأمم أيديهم إليهم بالذل والخضوع ، وعلوهم علو الثريا فيما بين الهند والحبشة والسوس والأقصى وبلاد الترك والصقالية والخزر، وملكوا ما بين الخافقين وحيث ملتقى أمواج البحرين.
وظهر ذكر إبراهيم على ألسنة الأمم ، فليس صبي من بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ولا امرأة ولا حر ولا عبد ولا ذكر ولا أنثى إلا وهو يعرف إبراهيم وآل إبراهيم.
وأما النصرانية وإن كانت قد ظهرت في أمم كثيرة جليلة ، فإنه لم يكن لهم في محل اسماعيل وأمه هاجر سلطان ظاهر ولا عز قاهر البتة ، ولا صارت أيدي هذه الأمة فوق أيدي الجميع ولا امتدت غليهم أيدي الأمم بالخضوع ، وكذلك سائر ما تقدم من البشارات التي تفيد بمجموعها العلم القطعي بأن المراد بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأمته.
فإنه لو لم يقع تأويلها بظهوره صلى الله عليه وسلم لبطلت تلك النبوات ، ولهذا لما علم الكفار من أهل الكتاب أنه لا يمكن الإيمان بالأنبياء المتقدمين إلا بالإيمان بالنبي الذي بشروا به قالوا: نحن في انتظاره ولي يجئ بعد ، ولما علم بعض الغلاة في كفره وتكذيبه منهم أن هذا النبي في ولد اسماعيل أنكروا أن يكون لإبراهيم ولد اسمه إسماعيل ، وأن هذا لم يخلقه الله.
ولا يكثر على أمة البهت وإخوان القرود وقبلة الأنبياء مثل ذلك، كما لم يكثر على المثلثة عباد الصليب الذين سبوا رب العالمين أعظم مسبة أن يطعنوا في ديننا وينتقصوا نبينا صلى الله عليه وسلم.
ونحن نبين أنهم لا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة ولا آية ولا معجزة إلا بإقرارهم أن محمداً رسول الله ، وإلا فمع تكذيبه لا يمكن أن يثبت للمسيح شئ من ذلك البتة.
فنقول : إذا كفرتم معاشر المثلثة عباد الصليب بالقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أين لكم أن تثبتوا لعيسى فضيلة أو معجزة ؟ ومن نقل إليكم عنه آية أو معجزة؟ فإنكم إنما تبعتم من بعده بنيف على مائتين وعشرات من السنين أخبرتم عن منام رؤى فأسرعتم إلى تصديقه ، وكان الولي لمن كفر بالقرآن أن ينكر وجود عيسى في العالم لأنه لا يقبل قول اليهود فيه ، ولا سيما وهم أعظم أعدائه الذين رموه وأمه بالعظائم ، فأخبار المسيح والصليب إنما شيوخكم فيها اليهود ، وهم فيما بينهم مختلفون في أمره أعظم اختلاف ، وأنتم مختلفون معهم في أمره.
فاليهود تزعم انهم حين أخذه الرومان حبسوه في السجن أربعين يوماً ، فقالوا لهم : ما كان لكم أن تحبسوه أكثر من ثلاثة أيام ثم تقتلوه إلا أنه كان يعضده أحد قواد الروم ، لنه كان يداخله في صناعة الطب عندهم .
وفي الأناجيل التي بأيديكم أنه أخذ صبح يوم الجمعة وصلب في الساعة التاسعة من اليوم بعينه فمتى تتوافقون مع اليهود في خبره ، واليهود مجمعون أنه لم يظهر له معجزة ولا بدت منه لهم آية غير أنه طار يوماً وقد هموا بأخذه فطار على أثره آخر منهم فعلاه في طيرانه فسقط إلى الرض بزعمهم.
وفي الإنجيل الذي بأيديكم في غير موضع ما يشهد أنه لا معجزة له ولا آية فمن ذلك أن فيه منصوصاً أن اليهود قالوا له يوماً ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله تعالى؟ فقال أمر الله : أن تؤمنوا بمن بعثه ، فقالوا له : وما آيتك التي ترينا لنؤمن بك وأنت تعلم أن آباءنا قد أكلوا المن بالمفاوز ؟ قال : إن كان أطعمكم موسى خبزاً فأنا أطعمكم خبزاً سماوياً ، يريد نعيم الآخرة فلو عرفوا له معجزة ما قلوا ذلك.
وفي الإنجيل الذي بأيديكم أن اليهود قالت له: ما آيتك التي نصدقك بها ؟ قال: اهدموا البيت أبنيه لكم في ثلاثة أيام فلو كانت اليهود تعرف له آية لم تقل هذا، ولو كان هذا أظهر لهم معجزة لذكرهم بها حينئذ.
وفي الإنجيل الذي بأيديكم أيضاً: أنهم جاؤوا يسألونه آية فقذفهم، وقال: جيل فاسق وشرير يطلب آية فلا تعطى له.
وفيه أيضاً أنهم كانوا يقولون له وهو على الخشبة بظنكم إن كنت المسيح فأنزل نفسك فنؤمن بك يطلبون بذلك آية فلم يفعل.
فإذا كفرتم معاشر المثلثة عباد الصليب بالقرآن لم يتحقق لعيسى ابن مريم آية ولا فضيلة، فإن أخباركم عنه وأخبار اليهود لا يلتفت إليها لاختلافكم في شأنه أشد الإختلاف وعدم تيقنكم لجميع أمره.
وكذلك اجتمعت اليهود على أنه لم يدع شيئاً من الإلهية التي نسبتم إليه أنه ادعاها، وكان أقصى مرادهم أن يدعى فيكون أبلغ في تسلطهم عليه، وقد ذكر السبب في استفاضة ذلك عنه وهو أن أحبارهم وعلماءهم لما مضى وبقي ذكره خافوا أن تصير عامتهم إليه إذ كان على سنن تقبله قلوب الذين لا غرض لهم، فشنعوا عليه أموراً كثيرة، ونسبوا إليه دعوى الإلهية تزهيداً للناس في أمره.
ثم إن اليهود عندهم من الاختلاف في أمره ما يدل على عدم تيقنهم بشيء من أخباره.
فمنهم من يقول : إنه كان رجلاً منهم ويعرفون أباه وأمه وينسبونه لزانية ! وحاشاه حاشا أمه الصديقة الطاهرة البتول التي لم يقرعها فحل قط قاتلهم الله أنى يؤفكون، ويسمون أباه الزاني باندرا الرومي، وأمه مريم الماشطة، ويزعمون أن زوجها يوسف من سبط يهوذا وجد باندرا عندها على فراشها وشعر بذلك فهجرها وأنكر ابنها.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ هدايه الحيارى فى اجابة اليهود والنصارى 2017 ©